الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
قال ابن هشام : وكان إسلام عباس بن مرداس ، فيما حدثني بعض أهل العلم بالشعر ، وحديثه أنه كان لأبيه مرداس وثن يعبده ، وهو حجر كان يقال له ضمار ، فلما حضر مرداس قال لعباس : أي بني ، اعبد ضمار فإنه ينفعك ويضرك ، فبينا عباس يوماً عند ضمار ، إذ سمع من جوف ضمار منادياً يقول : قل للقبائل من سليم كلها * أودى ضمار وعاش أهل المسجد إن الذي ورث النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتدى أودى ضمار وكان يعبد مرة * قبل الكتاب إلى النبي محمد فحرق عباس ضمار ، ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فأسلم . قال ابن هشام : وقال جعدة بن عبدالله الخزاعي يوم فتح مكة : أكعب بن عمرو دعوة غير باطل * لحين له يوم الحديد متاح أتيحت له من أرضه وسمائه * لتقتله ليلا بغير سلاح ونحن الألى سدت غزال خيولنا * ولفتا سددناه وفج طلاح خطرنا وراء المسلمين بجحفل * ذوي عضد من خيلنا ورماح وهذه الأبيات في أبيات له . وقال بجيد بن عمران الخزاعي : وقد أنشأ الله السحاب بنصرنا * ركام صحاب الهيدب المتراكب وهجرتنا في أرضنا عندنا بها * كتاب أتى من خير ممل وكاتب ومن أجلنا حلت بمكة حرمة * لندرك ثأراً بالسيوف القواضب قال ابن إسحاق : وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حول مكة السرايا تدعو إلى الله عز وجل ، ولم يأمرهم بقتال ، وكان ممن بعث خالد بن الوليد ، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعياً ، ولم يبعثه مقاتلاً ، فوطئ بني جذيمة ، فأصاب منهم . قال ابن هشام : وقال عباس بن مرداس السلمي في ذلك : فإن تك أمرت في القوم خالدا * وقدمته فإنه قد تقدما بجند هداه الله أنت أميره * نصيب به في الحق من كان أظلما قال ابن هشام : وهذان البيتان في قصيدة له في حديث يوم حنين ، سأذكرها إن شاء الله في موضعها . قال ابن إسحاق : فحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعياً ، ولم يبعثه مقاتلاً ، ومعه قبائل من العرب : سليم بن منصور ، ومدلج بن مرة ، فوطئوا بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة ، فلما رآه القوم أخذوا السلاح ، فقال خالد : ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا . قال ابن إسحاق : فحدثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة : قال : لما أمرنا خالد أن نضع السلاح قال رجل منا يقال له جحدم : ويلكم يا بني جذيمة ! إنه خالد والله ! ما بعد وضع السلاح إلا الإسار ، وما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق ، والله لا أضع سلاحي أبداً . قال : فأخذه رجال من قومه ، فقالوا : يا جحدم ، أتريد أن تسفك دماءنا ؟ إن الناس أسلموا ووضعوا السلاح ، ووضعت الحرب ، وأمن الناس . فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه ، ووضع القوم السلاح لقول خالد . قال ابن إسحاق : فحدثني حكيم بن حكيم ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال : فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك ، فكتفوا ، ثم عرضهم على السيف ، فقتل من قتل منهم ؛ فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رفع يديه إلى السماء ، ثم قال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد . قال ابن هشام :حدثني بعض أهل العلم ، أنه حدث عن إبراهيم بن جعفر المحمودي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيت كأني لقمت لقمة من حيس فالتذذت طعمها ، فاعترض في حلقي منها شيء حين ابتلعتها ، فأدخل علي يده فنزعه . فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه : يا رسول الله ، هذه سرية من سراياك تبعثها ، فيأتيك منها بعض ما تحب ، ويكون في بعضها اعتراض ، فتبعث علياً فيسهله . قال ابن هشام : وحدثني أنه انفلت رجل من القوم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل أنكر عليه أحد ؟ فقال : نعم ، قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة ، فنهمه خالد ، فسكت عنه ، وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب ، فراجعه ، فاشتدت مراجعتهما ، فقال عمر بن الخطاب : أما الأول يا رسول الله فابني عبدالله ، وأما الآخر فسالم ، مولى أبي حذيفة . إرساله صلى الله عليه وسلم علياً بدية بني جذيمة قال ابن إسحاق : فحدثني حكيم بن حكيم ، عن أبي جعفر محمد بن علي قال : ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فقال : يا علي ، اخرج إلى هؤلاء القوم ، فانظر في أمرهم ، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك . فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال ، حتى أنه ليدي لهم ميلغة الكلب ، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه ، بقيت معه بقية من المال ، فقال لهم علي رضوان الله عليه حين فرغ منهم : هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يود لكم ؟ قالوا : لا ، قال : فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال ، احتياطاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما يعلم ولا تعلمون ، ففعل ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر : فقال : أصبت وأحسنت ! قال : ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة قائماً شاهراً يديه ، حتى إنه ليرى مما تحت منكبيه ، يقول : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ، ثلاث مرات . قال ابن إسحاق : وقد قال بعض من يعذر خالداً : إنه قال : ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبدالله بن حذافة السهمي ، وقال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم من الإسلام . قال ابن هشام : قال أبو عمرو المدني : لما أتاهم خالد ، قالوا : صبأنا صبأنا . ما وقع بين عبدالرحمن بن عوف وخالد بن الوليد قال ابن إسحاق : وقد كان جحدم قال لهم حين وضعوا السلاح ورأى ما يصنع خالد ببني جذيمة : يا بني جذيمة ، ضاع الضرب ، قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه . قد كان بين خالد وبين عبدالرحمن بن عوف ، فيما بلغني ، كلام في ذلك ، فقال له عبدالرحمن بن عوف : عملت بأمر الجاهلية في الإسلام . فقال : إنما ثأرت بأبيك . فقال عبدالرحمن : كذبت ، قد قتلت قاتل أبي ، ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة ، حتى كان بينهما شر . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : مهلاً يا خالد ، دع عنك أصحابي ، فوالله لو كان لك أحد ذهباً ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته . ما كان بين قريش وبني جذيمة في الجاهلية وكان الفاكه بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، وعوف بن عبد مناف بن عبدالحارث بن زهرة ، وعفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس قد خرجوا تجاراً إلى اليمن ، ومع عفان ابنه عثمان ، ومع عوف ابنه عبدالرحمن . فلما أقبلوا حملوا مال رجل من بني جذيمة بن عامر ، كان هلك باليمن ، إلى ورثته ، فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام ، ولقيهم بأرض بني جذيمة قبل أن يصلوا إلى أهل الميت ، فأبوا عليه ، فقاتلهم بمن معه من قومه على المال ليأخذوه ، وقاتلوه ، فقتل عوف بن عبد عوف ، والفاكه بن المغيرة ، ونجا عفان أبي العاص وابنه عثمان ، وأصابوا مال الفاكه بن المغيرة ، ومال عوف بن عبد عوف ، فانطلقوا به . وقتل عبدالرحمن بن عوف خالد بن هشام قاتل أبيه ، فهمت قريش بغزو بني جذيمة ، فقالت بنو جذيمة : ما كان مصاب أصحابكم عن ملأ منا ، إنما عدا عليهم قوم بجهالة ، فأصابوهم ولم نعلم ، فنحن نعقل لكم ما كان قبلنا من دم أو مال ، فقبلت قريش ذلك ، ووضعوا الحرب . ما قيل من الشعر فيما كان بين خالد وجذيمة وقد قال قائل من بني جذيمة ، ويعضهم يقول : امرأة يقال لها سلمى : ولولا مقال القوم للقوم أسلموا * للاقت سليم يوم ذلك ناطحا لما صعهم بسر وأصحاب جحدم * ومرة حتى يتركوا البرك ضابحا فكائن ترى يوم الغمصياء من فتى * أصيب ولم يجرح وقد كان جارحا ألظت بخطاب الأيامى وطلقت * غداتئذ منهن من كان ناكحا قال ابن هشام : قوله : بسر ، وألظت بخطاب ، عن غير ابن إسحاق . ما قاله عباس بن مرداس في الرد على ما قيل قال ابن إسحاق : فأجابه عباس بن مرداس ، ويقال بل الجحاف بن حكيم السلمي : دعي عنك تقوال الضلال كفى بنا * لكبش الوغى في اليوم والأمس ناطحا فخالد أولى بالتعذر منكم * غداة علا نهجا من الأمر واضحا معانا بأمر الله يزجي إليكم * سوانح لا تكبو له وبوارحا نعوا مالكا بالسهل لما هبطنه * عوابس في كأبي الغبار كوالحا فإن نك أثكلناك سلمى فمالك * تركتم عليه نائحات ونائحا ما قاله الجحاف رداً على ما قيل أيضاً : قال الجحاف بن حكيم السلمي : شهدن مع النبي مسومات * حنينا وهي دامية الكلام وغزوة خالد شهدت وجرت * سنابكهن بالبلد الحرام نعرض للطعان إذا التقينا * وجوها لا تعرض للطام ولست بخالع عني ثيابي * إذا هز الكماة ولا أرامي ولكني يجول المهر تحتي * إلى العلوات بالعضب الحسام خبر ابن أبي حدرد مع بني جذيمة قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، عن الزهري ، عن ابن أبي حدرد الأسلمي ، قال : كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد ، فقال لي : فتى من بني جذيمة ، وهو في سني ، وقد جمعت يداه إلى عنقه برمة ، ونسوة مجتمعات غير بعيد منه ، يا فتى ؛ فقلت : ما تشاء ؟ قال : هل أنت آخذ بهذه الرمة ، فقائدي إلى هؤلاء النسوة حتى أقضى إليهن حاجة ، ثم تردني بعد ، فتصنعوا بي ما بدا لكم ؟ قال : قلت : والله ليسير ما طلبت . فأخذت برمته فقدته بها ، حتى وقف عليهن ، فقال : اسمي حبيش على نفد من العيش : أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم * بحلية أو ألفيتكم بالخوانق ألم يك أهلاً أن ينول عاشق * تكلف إدلاج السرى والودائق فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معا * أثيبي بود قبل إحدى الصفائق أثيبي بود قبل أن تشحط النوى * وينأى الأمير بالحبيب المفارق فإني لا ضيعت سر أمانة * ولا راق عيني عنك بعدك رائق سوى أن ما نال العشيرة شاغل * عن الود إلا أن يكون التوامق قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر البيتين الأخيرين منها له . قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، عن الزهري عن ابن أبي حدرد الأسلمي ، قال : قلت : وأنت فحييت سبعاً وعشراً ، وتراً وثمانياً تترى . قال : ثم انصرفت به فضربت عنقه . قال ابن إسحاق : فحدثني أبو فراس بن أبي سنبلة الأسلمي ، عن أشياخ منهم ، عمن كان حضرها منهم ، قالوا : فقامت إليه حين ضربت عنقه ، فأكبت عليه ، فما زالت حتى ماتت عنده . قال ابن إسحاق : وقال رجل من بني جذيمة : جزى الله عنا مدلجا حيث أصبحت * جزاءة بؤسى حيث سارت وحلت أقاموا على أقضاضنا يقسمونها * وقد نهلت فينا الرماح وعلت فوالله لولا دين آل محمد * لقد هربت منهم خيول فشلت وما ضرهم أن لا يعينوا كتيبة * كرجل جراد أرسلت فاشمعلت فإما ينيبوا أو يثوبوا لأمرهم * فلا نحن نجزيهم بما قد أضلت ما أجابه به وهب الليثي : فأجابه وهب رجل من بني ليث فقال : دعونا إلى الإسلام والحق عامراً * فما ذنبنا في عامر إذ تولت وما ذنبنا في عامر لا أبا لهم * لأن سفهت أحلامهم ثم ضلت شعر رجل من بني جذيمة : وقال رجل من بني جذيمة : ليهنئ بني كعب مقدم خالد * وأصحابه إذ صبحتنا الكتائب فلاترة يسعى بها ابن خويلد * وقد كنت مكفيا لو أنك غائب فلا قومنا ينهون عنا غواتهم * ولا الداء من يوم الغميصاء ذاهب شعر غلام جذمى هارب أمام خالد : وقال غلام من بني جذيمة ، وهو يسوق بأمه وأختين له وهو هارب بهن من جيش خالد : رخين أذيال المروط واربعن * مشي حييات كأن لم يفزعن إن تمنع اليوم نساء تمنعن * ما ارتجز به غلمة من جذيمة : وقال غلمة من بني جذيمة ، يقال لهم : بنو مساحق ، يرتجزون حين سمعوا بخالد ، فقال أحدهم : قد علمت صفراء بيضاء الإطل * يحوزها ذو ثلة وذو إبل لأغنين اليوم ما أغنى رجل * وقال الآخر : قد علمت صفراء تلبي العرسا * لا تملأ الحيزوم منها نهسا لأضربن اليوم ضربا وعسا * ضرب المجلين مخاضا قعسا وقال الآخر : أقسمت ما إن خادر ذو لبده * شثن البنان في غداة برده جهم المحيا ذو سبال ورده * يرزم بين أيكة وجحده ضار بتأكال الرجال وحده * بأصدق الغداة مني نجده
|